تاريخ سيف الدولة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

هذا المنتدى تم إنشائه في يوم الجمعة الموافق 26-11-2010م و في هذا المنتدى الذي يتناول مادة التاريخ في مدرسة سيف الدولة للتعليم الأساسي.بنين ، يتم في التواصل بشكل آلي و فعال بين الطلبة و التلاميذ.


    الحسبة في مصر و الشام في العصر العباسي

    جاسم محمد الشميلي
    جاسم محمد الشميلي
    جديد
    جديد


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 08/01/2011

    الحسبة في مصر و الشام في العصر العباسي Empty الحسبة في مصر و الشام في العصر العباسي

    مُساهمة  جاسم محمد الشميلي الأحد مايو 29, 2011 1:46 am

    الحسبة في مصر والشام في العصر العباسي الأول






    تعريف الحسبة :

    في اللغة: اسم من الاحتساب، يقال فلان حسن الحسبة في الأمر، أي حسن التدبير والنظر فيه(1).
    وفي الشرع: هي أمر بالمعروف إذا أظهر تركه ونهي عن المنكر إذا أظهر فعله(2). قال تعالى "وَلتَكُن مِنكُم أُمةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ ويأمُرُونَ بالمعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكرِ"(3). وقال تعالى: "الذِينَ إن مَّكَّناهُم في الأَرضِ أقامُواْ الصَّلاَةَ وأتُواْ الزَّكاةَ وأَمَرُوا بَالمعرُوفِ ونَهَوا عَنِ المُنكرِ ولِلَّهِ عَاقِبةُ الأُمُور"(4).

    وقال تعالى: "يا بُنيَّ أقمِ الصَّلاَةَ وأْمُر بِالمعَرُوفِ وانهَ عَنِ المُنَكرِ واصبِر عَلى ما أَصابَكَ إنَّ ذلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ"(5).
    وقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(6).

    والمقصود بالمعروف هنا هو كل قول وفعل وقصد حسنه الشارع وأمر به، والمنكر هو كل قول وفعل وقصد قبحه الشارع ونهى عنه.

    والحسبة بهذا التعريف يرجع بعض الفقهاء والمؤرخين(7) نشأتها إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستندوا على ذلك أنها كانت تمارس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانت حياته عليه السلام مليئة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان يتفقد الأسواق بنفسه. روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "مر على صبرة(Cool طعام فادخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشنا فليس منا"(9).

    فهذا نهي منه صلى الله عليه وسلم عن منكر، ومراقبة لما يقع في الأسواق. كما نهى صلى الله عليه وسلم عن العقود المحرمة مثل الربا. ونهى عن الميسر(10) وعن الاحتكار(11) والتسعير(12).

    وكما تولى الرسول صلى الله عليه وسلم الحسبة بنفسه، وقلدها غيره، فقد استعمل ابن شاهين على سوق مكة قبل الفتح، ووليها سعيد بن سعيد بن العاص(13) بعد الفتح(14).

    أما الفريق الآخر الذي يرجع نشأة الحسبة إلى عهد الخلفاء الراشدين ويخصون عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه أول محتسب في الإسلام، فيستندون على ذلك بصرامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد رأى حمالاً يقسو على جمله، فقال له: "حملت جملك مالا يطيق"(15) وولى الحسبة على سوق من أسواق المدينة لامرأة تسمى "الشفاء"(16).

    وإن كنت أؤيد ما ذهب إليه هؤلاء المؤرخون في القول أن أعمال الحسبة قد ظهرت منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمارسها بنفسه، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويراقب الأسواق، ويشرف عليها بنفسه، ويمنع الغش والتدليس على الناس، كما قلدها غيره وأمرهم بمراقبة الأسواق والإشراف عليها، كذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمارسها بنفسه وقلدها غيره. إلا أني أرى أن ما كان يمارس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة الأسواق، والإشراف عليها، كانت أعمال ومظاهر الحسبة، على اعتبار أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام، ولم تعرف الحسبة وقتذاك كوظيفة إدارية يكلف بها شخص معين يقوم بأعمالها إلا في العصر العباسي. كما مورست الحسبة في العصر الأموي، واهتم الخلفاء الأمويون بالإشراف على الأسواق إلا أنها لم تعرف كوظيفة إدارية(17).
    ويرى بعض المؤرخين المحدثين(18) أن لفظ المحتسب لم يظهر إلا في العصر العباسي الأول وفي عهد الخليفة المهدي، وظل باقياً في عهد خلفائه، ويستدل هؤلاء المؤرخون على ذلك ببعض الإشارات التي وردت في بعض المصادر العربية الإسلامية ومنها ما حدث في عهد المهدي عام 163هـ/ 779م إذ أمر عبد الجبار المحتسب وكان يلقب بـ (صاحب الزنادقة)(19) بالقبض على الزنادقة.(20)

    كما يرى البعض(21) أن الحسبة ظهرت في عهد الرشيد، وأنه أول من أقام المحتسب، لكي يطوف بالأسواق ويفحص الموازين والمكاييل من الغش عندما اتسع نطاق التجارة في بغداد. وتذكر بعض المصادر العربية الإسلامية(22) أن لفظ الحسبة ظهر قبل ذلك منذ عهد أبي جعفر المنصور، ذلك عندما عين عاصم بن سليمان الأحول(23) محتسباً وأوكل إليه مراقبة الموازين والمكاييل(24). كما ولى المنصور يحيى بن عبد الله(25) على حسبة بغداد والأسواق عام 157هـ/ 773م(26).

    فوجود المحتسب في عهد المنصور ينفي الآراء التي رأت أن هذه الوظيفة ظهرت لأول مرة في عهد المهدي، وأنه هو مؤسس نظام الحسبة. كما ينفي القول بأن الرشيد هو أول من أقام المحتسب لكي يطوف الأسواق ويفحص الموازين والمكاييل، فالواضح من المصادر أن وظيفة المحتسب وجدت في عهد المنصور. فأصبح صاحب السوق يسمى المحتسب، وقد تطورت هذه الوظيفة تطوراً كبيراً حتى صارت من أهم الأمور التي عنى بها الخلفاء والولاة بعد ذلك.

    شروط اختيار المحتسب :

    وضع الفقهاء شروطاً عدة للمحتسب منها:

    1- الحرية(27)، أن يكون حراً حتى يتمكن من أداء عمله على الوجه الأكمل.

    2- أن يكون ذا رأي وصرامة(28)، وأن يأمر عن علم ومعرفة وفقه بالدين وبأحكام الشريعة ليعلم ما يأمر به وينهى عنه.

    3- أن يكون على علم بالمنكرات الظاهرة، من أهل الاجتهاد في أحكام الدين ليجتهد رأيه فيما اختلف فيه(29).
    4- أن يكون قادراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن العاجز عنهما بيده وبلسانه لا تجب عليه الحسبة(30).
    5- أن يكون مكلفاً من أولي الأمر(31) حتى يؤدي واجبه على أتم وجه ويحاسب إذا قصر فيه. أما إذا كان غير مكلف فهو لا يلزم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يحاسب إذا قصر عن القيام به(32).

    6- أن يكون عارفاً بأصناف المعايش والمهن والحرف بأنواعها المختلفة، وله خبرة في الموازيين والمكاييل حتى يتوصل إلى حيل الباعة في الغش والتدليس، وحتى يميز بين الصحيح وغير الصحيح(33)، وعلى معرفة بالقناطير(34) والأرطال(35) والمثاقيل(36) والدراهم ليعلم تفاوت الأسعار(37).

    7- العدل: وقد أختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في المحتسب لوجوب الحسبة عليه، فالماوردي(38) والفراء(39) وابن تيمية(40) يرون اشتراط العدل في المحتسب. أما الغزالي(41) فيرى عدم اشتراطها.

    الآداب التي يجب أن يتحلى بها المحتسب :

    1- أن يكون فطناً، يقظاً بالعفاف، والثقة، عفيفاً عن أموال الناس، مجتنباً قبول الهدية من أرباب الحرف(42) والصناعات، فإن ذلك رشوة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الراشي… الحديث"(43).

    2- أن يكون قدوة حسنة يعمل بما ينصح فيه، وأن لا يكون قوله مخالفاً لفعله، حتى تكون دعوته مقبولة، وأن يقصد بقوله وفعله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وجه الله تعالى، وأن يكون مواظباً على سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله(44).

    3- أن يتحلى بالرفق ولين القول وحسن الخلق عند أمره للناس ونهيه لهم حتى يعملوا على تقبل أمره ونهيه بصدور رحبة، وطاعة عن قناعة، فإن ذلك في استمالة القلوب وحصول المقصود أبلغ.(45) قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: "فَبِما رَحمةٍ مِنَ الله لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظّاً غَليظَ القلب لانفَضّوا مِن حولِك"(46).

    4- أن يكون متأنياً لا يبادر إلى العقوبة أو يأخذ أحدا بأول ذنب يصدر عنه، حتى يأمره بالبعد عن ما هو فيه من خلاف للدين، وإن تأكد له تكرار عمله وثبت لديه ذلك عمل على عقابه(47).

    5- أن يكون صبوراً حليماً على ما يصيبه من الأذى في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراقبة الأسواق، ومراعاة مصالح الناس، لأن الصبر والحلم تتوقف عليهما نجاح حسبته، فلا ينسى الحسبة أو يغفل عن دين الله(48). قال تعالى: "يا بُنيَّ أقِمِ الصَّلاةَ وأْمُر بالمعروفِ وانهَ عَنِ المُنكر واصبِر عَلى ما أَصابَكَ إنَّ ذلكَ مِن عَزم الأمُور"(49).

    6- أن يكون بسيطاً قوياً جريئاً، شديداً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، رفيقاً، لين القول، طلق الوجه، وأن يكون قصده الإصلاح على قدر ما يستطيع(50).

    الفرق بين المحتسب والقاضي :

    يرى بعض الفقهاء(51) أن الحسبة واسطة بين أحكام القضاء والمظالم، فهي تتفق مع القضاء من وجهين، ومقصورة عنه من وجهين، وزائدة عليه من وجهين. أما الوجهان في موافقتهما لأحكام القضاء فهما:

    1- جواز الاستعداء وسماعه دعوى المستعدي والمستعدى عليه في حقوق الآدميين إذا تعلق الأمر ببخس أو تطفيف في الكيل والميزان، أو ما يتعلق بغش أو تدليس في المبيعات والأسعار، أو فيما يتعلق بمطل أو تأخير لدين مستحق مع القدرة على الأداء، فيجوز للمحتسب النظر في هذه الدعاوى لتعلقها بمنكر ظاهر(52).

    2- أن للمحتسب إلزام المدعى عليه الخروج من الحق الذي عليه ـ وهذا خاص في الحقوق التي جاز للمحتسب سماع الدعوى فيها- إذا وجبت باعتراف وإقرار مع القدرة، لأن في تأخيره لها منكراً هو معين لإزالته(53).

    أما الوجهان في قصورها عن أحكام القضاء فهما:

    1- قصور الحسبة عن سماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات من الدعاوى في العقود، والمعاملات، وسائر الحقوق والمطالبات(54).

    2- قصور الحسبة عن الحقوق المعترف بها، فأما ما يدخله التجاحد والتناكر، فلا يجوز للمحتسب النظر فيها، فليس من حق المحتسب أن يسمع بينة على إثبات حق ولا أن يحلّف يميناً على نفي حق، بينما هذا من واجب القاضي؛ إذ يحق له سماع البينات وتحليف الخصوم إن شاء(55).

    أما الوجهان في زيادتها على أحكام القضاء:

    1- أنه يجوز للمحتسب أن يتعرض لتصفح ما يأمر به من المعروف وينهى عنه من منكر ، وأن لم يحضره خصم يستعدي، وليس للقاضي أن يتعرض لذلك إلا بحضور خصم يجوز له سماع الدعوى منه(56).
    2- أن على المحتسب أن يتحلى بالشدة والرهبة وقوة الصراحة، ولا يكون ذلك للقاضي الذي لابد أن يتحلى بالأناة والوقار. لذلك اشترط الفقهاء أن يكون المحتسب ذا رأي وصراحة وخشونة في الدين وعلم بظواهر المنكرات(57).
    السلطات المخولة للمحتسب :

    أسهب الفقهاء والمؤرخون في ذكر السلطات المخولة للمحتسب نذكر منها:

    1- مراقبة العبادات: وذلك بأن يأخذ المحتسب المسلمين بصلاة الجمعة والجماعة، وأدائها في مواقيتها، ومعاقبة من لا يصلي بالضرب والحبس ويتعاهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرط منهم في حقوق الإمامة أو خرج عن الأذان المشروع ألزمه الصواب(58).

    2- مراقبة الأسعار والموازين: من واجب المحتسب مراقبة المنكرات الاقتصادية مثل عقود الربا والميسر وبيع النجش(59)، والغرر(60)، وتحديد أسعار المواد الغذائية الضرورية، وعلى المحتسب منع الاحتكار، ومنع تلقي الركبان(61) والسلع قبل أن تجيء إلى السوق، لما في ذلك من تغرير للبائع فإنه لا يعرف السعر في السوق فيشتري من المشتري بدون القيمة الفعلية للسلعة. كما يجب على المتحسب منع تطفيف المكيال والميزان، ومراقبة التجار ومنعهم من الاستغلال والغلو في جني الأرباح(62).

    3- مراقبة الأخلاق العامة: ومن سلطة المحتسب مراقبة الأخلاق العامة، بمنع شرب الخمور علناً أمام الناس، وفي مجالسهم العامة، ومنع السحرة والكهان من منكراتهم، وتحذير الناس منهم، ومنعهم من التعامل معهم أو الذهاب إليهم. كما يجب عليه مراقبة نظافة الأسواق والطرقات والشوارع، ومنع الناس والمارة من إلقاء القاذورات فيها، أو رش الماء في الطرقات، بحيث يخشى منه التزحلق والسقوط(63).

    4- مراقبة التجار وأرباب الحرف: من سلطة المحتسب مراقبة أصحاب المهن مهما يكن نوعها، فهو يراقب الأطباء والصيادلة، ويجبر الطبيب على دفع دية المريض إذا توفي بسبب سوء تصرفه، كما يراقب الخبازين.
    وقد وضع المحتسب شروطاً وتعليمات لابد أن يلتزم بها الخبازون تتلخص في أن ترفع سقائف حوانيتهم، وتفتح أبوابها، ويجعل في سقوف الأفران منافس واسعة يخرج منها الدخان، حتى لا يتضرر الناس، وأن ينظف الخباز التنور بقطعة قماش نظيفة قبل أن يبدأ بالخبز، وأن ينظف أوعية الماء ويغطيها وينظف المعاجن، وما يغطى به الخبز، وما يحمل عليه.

    ومن تعليماتهم للجزارين والقصابين أنه يستحب أن يكون الجزار مسلماً بالغاً عاقلاً يذكر اسم الله على الذبيحة يستقبل القبلة عند الذبح، أو ينحر الإبل معقولة، ويذبح البقرة والغنم مضطجعة على الجنب الأيسر، وأما القصابين فيأمرهم المحتسب بأن يفردوا لحم الماعز عن لحم الضأن، ولا يخلطوا بعضها ببعض(64).

    5- مراقبة الأبنية والطرقات: ومن سلطة المحتسب هدم الأبنية البارزة وأمر أصحاب الدور المتداعية إلى هدمها ورفع أنقاضها، ومنع فتح النوافذ في الأبنية التي تشرف على غيرها. كما يحق للمحتسب أن يمنع أهل الذمة من رفع مبانيهم فوق مباني المسلمين. فإن ملكوا أبنية عالية أقروا عليها ومنعوا من الإشراف منها على المسلمين. كما من سلطة المحتسب منع أهل السوق والمحلات من إخراج مصطبة(65) دكاكينهم عن سمت أركان السقائف إلى الممر الأصلي لما في ذلك من ضرر على المارة. كما للمحتسب النظر في مقاعد الأسواق فيقرر منها مالا ضرر فيه على المارة ويمنع ما تضر به المارة. وإذا بنى قوم بناء في طريق عام منع المحتسب البناء وأخذهم بهدم ما بنوه ولو كان المبنى مسجداً لأن الطرق للسلوك لا للأبنية(66).

    ومن السلطات المخولة للمحتسب أيضاً منع الحمالين وأهل السفن من الإكثار من الحمل. ومنع مؤدبي الصبيان من ضربهم(67)، والحرص على تعليمهم تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

    ومن سلطة المحتسب منع أحمال الحطب وأعدال(68) التبن وروايا(69) الماء وشرائج(70) السرجين(71) والرماد وأشباه ذلك من الدخول إلى الأسواق لما فيه من الضرر بالناس. ويأمر جلابي الحطب والتبن ونحوهما إذا وقفوا بها في العرائض(72) أن يضعوا الأحمال عن ظهور الدواب، لأنها إذا وقفت والأحمال عليها أضر بها(73).
    كما على المحتسب أمر أهل الأسواق بكنسها وتنظيفها من الأوساخ والطين، وغير ذلك مما يضر بالناس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار"(74). ومن سلطاته أيضاً إجبار السادة بمعاملة عبيدهم وإمائهم معاملة حسنة، وأخذ أرباب البهائم بعلوفها وأن لا يستعملوها في ما لا تطيق(75).

    راتب الحسبة :

    لم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى قدر راتب المحتسب، واقتصرت على القول بأن أجورهم من بيت المال(76)، وإن كان بعض المؤرخين المحدثين(77) يذكرون أن أجر المحتسب هو ثلاثون ديناراً في الشهر. إلا أنهم لم يذكروا المصادر التي اعتمدوا عليها في ذلك. ومن ذلك ما ذكره المقريزي(78) في تحديده لراتب المحتسب في عهد الدولة الفاطمية بثلاثين ديناراً في الشهر.

    وإن كنت أؤيد ما يذهب إليه بعض المؤرخين في القول أن راتب المحتسب كان ثلاثين ديناراً في الشهر وذلك للاعتبارات الآتية:

    أن راتب القاضي في العصر العباسي كان بحدود الثلاثين ديناراً. والحسبة قريبة من القضاء، واعتبرها الفقهاء واسطة بين القضاء والمظالم، فمن الممكن أن يكون راتب المحتسب يعادل راتب القاضي.

    أن راتب الموظف في الولاية يبلغ ثلاثين ديناراً فقد أورد الجشياري(79) في تاريخه نصاً بين فيه أن راتب الكاتب بلغ ثلاثين ديناراً.

    ويبدو لي أنه بجانب ما كان يتقاضاه المحتسب من راتب كانت هناك بعض الصلات والمكافآت التي يمنحها الخلفاء والولاة للمحتسب لتحسين دخله من جهة، وللحيلولة بينه وبين الارتشاء من الناس وأخذ الأموال بغير حق من جهة أخرى.

    الحسبة في مصر والشام :

    لم تمددنا المصادر التي بين أيدينا بأية معلومات عن الحسبة في مصر والشام، في هذه الفترة. فالمصادر التاريخية والفقهية التي في متناول أيدينا خلت من ذكر أسماء المحتسبين أو دورهم السياسي في الدولة العباسية. فقد أفاضت الكتب الفقهية بالحديث عن اختصاص المحتسب دون ذكر أسمائهم أو أدوارهم السياسية.
    أما الكتب التاريخية فقد أمدتنا بمعلومات مقتضبة جداً عن الحسبة في مصر والشام، في هذه الفترة، ومنها:
    ما أورده ابن العديم(80) في تاريخه، في حديثه عن المهدي عند قدومه لبلاد الشام بقوله: "…عرض المهدي العسكر بحلب وأغزى ابنه هارون بلاد الروم، وسير محتسب حلب عبد الجبار فأحضر له جماعة من الزنادقة فقتلهم بحلب."

    وما رواه ابن عساكر في تاريخه(81) عن محتسب دمشق إبراهيم بن عبد الله الغافقي(82) بأنه كان صارماً في الحسبة.

    فهذان النصان يؤكدان وجود الحسبة في بلاد الشام، ووجود من يتولاها في كافة أجناد الشام.
    ولعل السبب في ندرة الحديث عن المحتسب يعود إلى الفتن والقلاقل والاضطرابات التي كانت تعاني منها الدولة الإسلامية في فترات متفرقة من هذا العصر، وانشغال المسلمين بها. كذلك انصب اهتمام المؤرخين على الأحداث السياسية دون غيرها من الأحداث.

    ورغم عدم ذكر المؤرخين، لا سيما المحتسبين، وأدوارهم السياسية في مصر والشام هناك الكثير من الإشارات التي تدل على وجود المحتسب في هذين الإقليمين، فإننا نجد بعض الألفاظ النقدية مثل "دينار" و"نصف دينار" و"ربع دينار" و"مثاقيل طرية" و"دنانير معسولة"… وغيرها من الألفاظ، وهذه الألفاظ تدل على أن هناك تحقيقا وتدقيقا من وثائقية الدنانير التي يتعامل بها، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق الإشراف على الأسواق ومراقبة عمليات البيع والشراء، واختبار وزن الدنانير واتباع كل الطرق التي تحول دون العبث بالعملة والتزييف فيها، وهذه الأمور كلها من صميم عمل المحتسب(83).

    أعوان المحتسب :

    تتطلب السلطات الكبيرة المخولة للمحتسب وجود أعوان له لمساعدته بالقيام بجميع هذه السلطات، لأنه ليس بمقدوره الإحاطة بها جميعاً وحده. لذلك فإنه كان يأخذ من أهل كل صنعه "عريفاً من صالح أهلها، خبيرا بصناعتهم، مشهوراً بالثقة والأمانة. يكون مشرفاً على أحوالهم، ليطلعه أخبارهم، وما يجلب إلى السوق من السلع، وما تستقر عليه الأسعار"(84).

    ويبدو أن الوالي هو الذي يعين هؤلاء العرفاء بعد ترشيح المحتسب لهم وربما عهد للقضاء إصدار أوامر تعيينهم(85).
    كذلك كان للمحتسب نواباً على الحدود والمواني ليخبروه بما يرون من غلال وبضائع، وما يخرج منها ليكون على اطلاع واسع على أحوال البلاد الاقتصادية حتى يمكنه التصرف عند حدوث الأزمات(86).

    ولأهمية عمل المحتسب فقد كان له أعوان من الشرطة يتقوى بهم على المخالفين(87)، ويعملون على حمايته أثناء أدائه عمله(89).

    وكان للمحتسب عدة يستعملها لإيقاع العقوبات على المخالفين منها السوط والدرة(90). وكان السوط وسطاً لا بالغليظ ولا الرقيق، بل يكون بينهما، لأنه أداة تأديب. وتكون الدرة من جلد البقر أو الجمل محشوة بنوى التمر(91).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 1:55 am