التضـامن العربـي..![u][u][u][u][u]
في ظل التكتلات الإقليمية والدولية الكبرى التي يشهدها عالمنا المعاصر، وتهافت المشاريع الاتحادية على "العالمين" العربي والإسلامي قصد صهرهما داخل اتحادات "علمانية" تبغي إقبار ومحو وجود أي وطن عربي أو إسلامي. ليس لنا إلاّ الاحتماء بظل تكتل اقتصادي وسياسي وثقافي يكون قادراً على المقاومة ودرء الأخطار عن الأمة العربية الإسلامية. وتبقى الوحدة العربية _المشروع "الحلم"_ هي الوحيدة القادرة على مواجهة مثل هذه الهجومات العولمية، وهذا لن يتأتى إلاّ بالتضامن العربي كخطوة أولى نحو التكامل والاندماج.
لكن هذا الموضوع _التضامن العربي_ يضعنا أمام مفهوم مثير للجدل يستتبع طرح العديد من التساؤلات ذات البُعد القُطري خصوصاً، وعليه فإن كان لازماً التطرق إلى موضوع حساس كالتضامن العربي فيجب طرح الأسئلة التالية ومحاولة الإجابة عنها قدر الإمكان:
هل للتضامن العربي _إن وُجِد_ درجات ؟!، وهل يُعتبر عرب المشرق أكثر عربيةً من عرب المغرب _بمعناه الجغرافي_، وهل هذا يعني أن المغرب الأقصى يوجد في آخر أولويات الاهتمام والتضامن العربي، وأخص بالذكر هنا التضامن الرسمي والحكومي، وذلك لبُعده وتواجده في أقصى العالم العربي من ناحية الغرب، ولكن ألا يُفنّد هذا القول الحديث النبوي الصحيح القائل على لسان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد، ليست العربية من أحدكم بأب ولا أم، العربية لسان، فمن تكلّم العربية فهو عربي».
ألم يكن العمل العربي في بدايته من أجل النهضة والتحرير والدفاع عن النفس، وأصبح التضامن العربي الذي كان الحدود الدنيا للعرب في وقت ما من أرفع سقوف تلك المطالب إن لم يكن أرفعها اليوم ؟؟، فبعد مضي أكثر من نصف قرن على معاهدة الدفاع [u]المشترك والتعاون الاقتصادي¹ بين الدول العربية الأطراف فيها، لا نزال نسمع بأحاديث عن حروب سرية وباردة بين العرب.
لكن قبل التطرق إلى هذه الأسئلة علنا معرفة أهمية التضامن العربي ثم المرور على أشكال هذا التضامن كمدخل لفهم وضعية هذا التضامن وعراقيله ومدى انخراط المغرب فيه. هذا الأخير الذي كان ولا يزال من بين الدول العربية التي تدعم وتسير في مسار التضامن العربي، حيث انضم المغرب إلى المعاهدة المشار إليها أعلاه في 13 يونيو 1961، ولم يقف عند هذا الحدّ بل قام المغرب باحتضان القمّة العربية التي صدر عنها ميثاق التضامن العربي، وذلك في مدينة الدار البيضاء في الخامس من سبتمبر سنة 1965، حيث التزم ملوك ورؤساء الدول العربية بالعمل على تحقيق التضامن في معالجة القضايا العربية وخاصة قضية تحرير فلسطين، هذه الأخيرة التي استفادت من ثمرة أول تضامن سياسي عربي ناتج عن عمل عربي مشترك، وهو التضامن الذي واكب حرب أكتوبر وسار في درب استثمار نتائجها،حيث أدّى فيما أدّى إليه، إلى قبول فلسطين عضواً مراقباً في منظمة الأمم المتحدة، وإلى اتخاذ القرار 3379 الذي أكدّ الطبيعة العنصرية للصهيونية². وبهذا يَبرُزُ مدى أهمية التضامن العربي الذي لاشكّ له ثمار تخدم المصلحة القومية العربية في شتى المجالات، حيث يتّسع التضامن العربي ليشمل العديد من القطاعات، وتعدد القطاعات التي يشملها هو الذي يشكل أنواع هذا التضامن. حيث تتعدد أشكاله حسب المجالات المشتركة، ولكن تبقى ثلاثة مجالات تحظى بالأولويّة والأهمية عن غيرها، وهي على التوالي: التضامن العربي العسكري، التضامن العربي الاقتصادي، وأخيراً وليس آخراً التضامن العربي السياسي.
بالنسبة للنوع الأول _العسكري_ فهو التضامن الذي تجسّد في معاهدة الدفاع المشترك التي أشرت إليها سابقاً حيث أنشئت هذه المعاهدة مجلساً للدفاع المشترك يتكوّن من وزراء الخارجية والدفاع للدول الأعضاء ويعاون هذا المجلس لجنة عسكرية دائمة. كما يُمكن اعتبار المادة السادة من ميثاق جامعة الدول العربية تجسيداً لروح هذا التضامن، حيث نصّت على أنّه إذا وقع اعتداء من دولة ما على دولة من أعضاء الجامعة فللدولة المعتدى عليها أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فوراً، ويُقرِّرُ المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء.
أما النوع الثاني _الاقتصادي_ فهو مرتبط بالنوع الأول عبر معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي حيث تعْهدُ المعاهدة للدول الأعضاء بإنشاء مجلس اقتصادي يتكون من الوزراء المختصين في المجال الاقتصادي والمالي، ويختص هذا المجلس بوضع الخطط للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي للدول الأعضاء. ولقد تَمَّ تتويج هذا التعاون الاقتصادي عبر إنشاء السوق العربية المشتركة في 13 غشت 1964 بعد أن وافق مجلس الوحدة الاقتصادية على ذلك، وتُعتبرُ السوق العربية المشتركة من أهم آليات [/u][/u][/u][/u][/u]التضامن والتعاون الاقتصادي، حيث تُمثِّل تكاملاً عربياً من الناحية الاقتصادية، إذ أننا لن نجد قطراً عربياً مؤهلاً بقدراته الذاتية لأن يُشكل اكتفاءً ذاتياً أو حماية تجعله قادراً على حماية مصالحه والصمود في وجه الضغط والعدوان والمنافسة، فضلاً عن المقاومة والتجاوز والمشاركة في الفعل الحضاري والسياسة الدولية والقرار الإنساني والفعل الثقافي البناء.
لكن هاذين النوعين _العسكري والاقتصادي_ لا يُمكنهما القيام أو الاستمرار بدون إرادة سياسية، وهي النوع الثالث _أي التضامن السياسي المشترك_ الذي يتأتى عبر تكتل الأقطار العربية في صف واحد تضامنا مع بعضهم البعض، ويمكن تقسيم هذا النوع إلى شكلين: تضامن سياسي حكومي أو رسمي، وتضامن سياسي شعبي أو غير رسمي، ويتجسّد هذا الأخير في اللجان العربية العديدة للتضامن، بهدف دعم الانتفاضة وكذلك لجان دعم المقاومة العراقية وغيرهما كثير.
لكن يبقى كلّ هذا عبارة عن حبر على ورق، ولا نجده على أرض الواقع الحي، فليست هناك مواكبة للعمل العربي المشترك في كل صيغه المذكورة، وكما تقول المقولة الدستورية "التطبيق أهم من النص والقاضي أهم من القانون" فإن تطبيق هذه المعاهدات وانطلاق عمل هذه المجالس المشترك لم ينطلق ولم يُأخذ به على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، فبدل التضامن العربي المطلوب شعبياً، نجد أن هنالك عداءً وتنافراً عربيين بين الدول الأشقاء، خصوصاً الجيران، وذلك كلّه ناتج عن الحقبة الاستعمارية، حيث دَعَّمَ الاستعمار وساند وساعد بكل ما أتيحت له من وسائل لترسيخ وتوسيع الفجوة القائمة بين الدول العربية حتى وصلت إلى زرع بذور الكراهية والتنافس اللاأخلاقي والعدائي بين الأشقاء، فكرّست حدود التمييز والتفرقة، وخلقت من الشعب العربي شعوباً في شِعاب، وكدّستهم بالديون، وبثقافتها الخليعة والاستهلاكية، وجذّرت فيهم القطرية والتجزئة، بل إنها تحاول الآن تنمية روح قومية قطرية خاصة بكل زاوية في "البيت العربي" قصد زعزعت أساسات هذا البيت بُغْيَتَ إحداث شرخ فيه وتهديمه. وأفضل وسيلة وجدتها الأنظمة المعادية للقومية العربية هي إحياء وبعث لغات بائدة والانقضاض على اللغة العربية وتجزئتها عبر إعطاء أهميّة أكثر للغات المحلية واللهجات الدارجة في الوطن العربي وتدعيمها لتلك اللهجات قصد إنشاء أقطار ذات لغات مختلفة، مثل ما حدث للغة اللاتينية الأم، ناهيك عن تنمية الحميّة والعداء بين الجيران، فها نحن نرى شقيقتنا الجزائر تسعى جاهدة قصد الوقوف في طريق تنمية وتقدم المغرب، ومعارضتها المنحازة بشكل مفضوح لصالح مليشيا البوليساريو ووقوفِها عقبة أمام استكمال المغرب لوحدته الترابية، ليس هذا في الجنوب فقط، بل أيضاً في أقاليمنا الشمالية، فبعد حادثة صخرة "ليلى" أو "تورا" اتّضح للعالم مدى بُغض وكُره النظام الجزائري العسكري للمغرب، فبعد أن وقف العالم بأسره مع المغرب في أزمته، ومن بينهم الدول العربية عبر الجامعة العربية، خرجت الجزائر عن وحدة الصفّ العربي، بل حتى في الزيارة الاستفزازية الأخيرة لملك إسبانيا خوان كارلوس للثغور المحتلة بالشمال المغربي منذ ما يزيد عن خمسة قرون، اتضح للعالم أنياب هذا الذئب الجزائري المتعطّش للارتواء من دم جيرانه، كيفما كانت الوسيلة، وربما يقول قائل إن الجزائر إنما تقوم بهذا قصد إبقاء المغرب منشغلاً بأزماته في كل من الشمال والجنوب وإنسائه أو إلهائه عن الجبهة الشرقية والمناطق الشرقية المغربية التي منحها الاستعمار للجزائر، لكن هذا لن يؤدي بنا إلاّ إلى صبّ الزيت على النار، ونحن في غناً عن ذلك في الوطن العربي، فيكفينا تفرقة، ولنتحد على كلمة سواء، فليس النظام العربي مُلك شخص بعينه أو منطقة بذاتها أو أُناس بذواتهم. إنما النظام العربي هو شبكة من كثيفة من العلاقات والتفاعلات والروابط الحكومية والشعبية، الرسمية وغير الرسمية، والوحدة هي المدخل لتغيير الواقع العربي المتهافت، ففلسطين لازالت مغتصَبة زد على ذلك قضية غزو العراق، وحرب لبنان، والضغوطات الممارسة على سوريا، والتدخلات السافرة في الصومال والأطماع الغربية في السودان والاستفزازات اليائسة التي يتعرض لها المغرب من جيرانه الشماليين والشرقيين وغيرهم من المعادين لمسيرة المغرب التنموية، هذه المسيرة التي يجب أن تُساندنا فيها جميع الدول العربية، فكما ساند المغرب إخوانه من المناضلين الجزائريين في حرب الاستقلال وكما ساند المغرب دول الشام وغيرها في حربهم ضد إسرائيل ولازال، على هذه الدول كذلك أن تقوم برد الجميل. وعليها معرفة أنها لا يمكنها حماية مصالحها ومواطنيها وتحرر قرارها وتحافظ على سيادتها دون تكتلها _أي الأقطار العربية_ في اتحاد متضامن في إطار نُشدان الوحدة بوصفها مصلحة عُليا مُلحة وهدفاً وضرورة قومية قصوى، لأن عالم اليوم لا يسمح للدول الهزيلة بالتواجد والاستمرار على الحلبة الدولية، وعندما أتحدّث عن الأقطار العربية فأنا لا أعني الشعوب، فالشعب العربي كله متضامن ويصبوا إلى الوحدة كغاية حقيقية. لكن تبقى العقبة الكبرى في الحكومات أو بالأحرى الأنظمة العربية، فأنظمتنا العربية مصابة بما يُسمى "عقدة القيادة" وهي مشكلة مزمنة وخطيرة تصيب بالخصوص بلدان العالم الثالث، فأنظمتنا متشبثة بالسلطة وكل واحدة منها تبغي الاستفراد بالقيادة، وربما هذه هي المشكلة التي تواجه المغرب العربي كاتحاد، فالجميع يعلم مدى انسجام وتناغم الشعب المغاربي، لكن قيادات المغرب العربي تواجه عقدة القيادة، ولقد كانت هذه العقدة محصورة في السابق بين المغرب والجزائر، وهي من بين الأسباب التي أدّت بالجزائر إلى اتخاذ موقف معادٍ للمغرب في جميع الميادين، لكن الأزمة الحالية هي تفشي هذا الداء حيث انتقل إلى باقي دول المغرب العربي فها هي ذي ليبيا تُطالب بالقيادة باعتبارها أكثرنا مالاً، وذلك ما تطالب به تونس باعتبارها أكثرنا عولمة _أو تفتُّحاً بالنسبة لهم_ ولرُبّما تَنْظمُّ إليهم موريتانيا باعتبارها أكثرنا ديمقراطية…!
ما يسري على المغرب العربي ينطبق على باقي البلاد العربية، فكم هي عديدة الخلافات العربية-العربية، لكن إلى متى…!؟ أين هو التضامن العربي!؟، وأين هي الجامعة العربية من كل هذا !؟، ألم يكن حرياً بجامعة الدول العربية عند قيام العاهل الاسباني بالزيارة الخطيرة إلى سبتة ومليلية أن تقف مع المغرب في وجه اسبانيا وقفة رجل واحد؟ أليس هذا هو التضامن العربي؟، ألم يكن جديراً بالدول العربية استعمال بعضٍ من نفوذها الاقتصادي خصوصاً على اسبانيا والاتحاد الأوربي لصالح المغرب، أوليس المغرب دولة عربية متساوية السيادة العروبة مع باقي دول المشرق، أم أن الجامعة العربية تختص فقط بالتنديد المتأخر، ألم يكن واجبا عليها تكوين لوبي عربي دولي لدعم القضايا العربية، وليس مقترح الرئيسين الفينزويلي والإيراني ببعيدين عن هذا³، ولم يأت هذا الاقتراح عن فراغ، فعالم اليوم يشهد تكتلات عملاقة، وخصوصا بين الدول الرأسمالية الكبرى، في حين أن الدول الضعيفة نسبيا لازالت تعاني من التجزئة والقطرية، إذ شتان بين الإتحاد الأوربي و"الإتحاد العربي"، فعندما تُمَسُّ دولة واحدة من دول الاتحاد الأوربي نجد الإتحاد كله يهبُّ لنجدتها ولو كان السبب بسيطاً رغم الاختلافات المتعددة بين دول الاتحاد وتاريخ الحروب الطِوال بينهم، بينما في وطننا العربي تتحرّك الجامعة العربية حسب أولويات، وبالطبع ليس المغرب أحدها.
في ظل التكتلات الإقليمية والدولية الكبرى التي يشهدها عالمنا المعاصر، وتهافت المشاريع الاتحادية على "العالمين" العربي والإسلامي قصد صهرهما داخل اتحادات "علمانية" تبغي إقبار ومحو وجود أي وطن عربي أو إسلامي. ليس لنا إلاّ الاحتماء بظل تكتل اقتصادي وسياسي وثقافي يكون قادراً على المقاومة ودرء الأخطار عن الأمة العربية الإسلامية. وتبقى الوحدة العربية _المشروع "الحلم"_ هي الوحيدة القادرة على مواجهة مثل هذه الهجومات العولمية، وهذا لن يتأتى إلاّ بالتضامن العربي كخطوة أولى نحو التكامل والاندماج.
لكن هذا الموضوع _التضامن العربي_ يضعنا أمام مفهوم مثير للجدل يستتبع طرح العديد من التساؤلات ذات البُعد القُطري خصوصاً، وعليه فإن كان لازماً التطرق إلى موضوع حساس كالتضامن العربي فيجب طرح الأسئلة التالية ومحاولة الإجابة عنها قدر الإمكان:
هل للتضامن العربي _إن وُجِد_ درجات ؟!، وهل يُعتبر عرب المشرق أكثر عربيةً من عرب المغرب _بمعناه الجغرافي_، وهل هذا يعني أن المغرب الأقصى يوجد في آخر أولويات الاهتمام والتضامن العربي، وأخص بالذكر هنا التضامن الرسمي والحكومي، وذلك لبُعده وتواجده في أقصى العالم العربي من ناحية الغرب، ولكن ألا يُفنّد هذا القول الحديث النبوي الصحيح القائل على لسان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد، ليست العربية من أحدكم بأب ولا أم، العربية لسان، فمن تكلّم العربية فهو عربي».
ألم يكن العمل العربي في بدايته من أجل النهضة والتحرير والدفاع عن النفس، وأصبح التضامن العربي الذي كان الحدود الدنيا للعرب في وقت ما من أرفع سقوف تلك المطالب إن لم يكن أرفعها اليوم ؟؟، فبعد مضي أكثر من نصف قرن على معاهدة الدفاع [u]المشترك والتعاون الاقتصادي¹ بين الدول العربية الأطراف فيها، لا نزال نسمع بأحاديث عن حروب سرية وباردة بين العرب.
لكن قبل التطرق إلى هذه الأسئلة علنا معرفة أهمية التضامن العربي ثم المرور على أشكال هذا التضامن كمدخل لفهم وضعية هذا التضامن وعراقيله ومدى انخراط المغرب فيه. هذا الأخير الذي كان ولا يزال من بين الدول العربية التي تدعم وتسير في مسار التضامن العربي، حيث انضم المغرب إلى المعاهدة المشار إليها أعلاه في 13 يونيو 1961، ولم يقف عند هذا الحدّ بل قام المغرب باحتضان القمّة العربية التي صدر عنها ميثاق التضامن العربي، وذلك في مدينة الدار البيضاء في الخامس من سبتمبر سنة 1965، حيث التزم ملوك ورؤساء الدول العربية بالعمل على تحقيق التضامن في معالجة القضايا العربية وخاصة قضية تحرير فلسطين، هذه الأخيرة التي استفادت من ثمرة أول تضامن سياسي عربي ناتج عن عمل عربي مشترك، وهو التضامن الذي واكب حرب أكتوبر وسار في درب استثمار نتائجها،حيث أدّى فيما أدّى إليه، إلى قبول فلسطين عضواً مراقباً في منظمة الأمم المتحدة، وإلى اتخاذ القرار 3379 الذي أكدّ الطبيعة العنصرية للصهيونية². وبهذا يَبرُزُ مدى أهمية التضامن العربي الذي لاشكّ له ثمار تخدم المصلحة القومية العربية في شتى المجالات، حيث يتّسع التضامن العربي ليشمل العديد من القطاعات، وتعدد القطاعات التي يشملها هو الذي يشكل أنواع هذا التضامن. حيث تتعدد أشكاله حسب المجالات المشتركة، ولكن تبقى ثلاثة مجالات تحظى بالأولويّة والأهمية عن غيرها، وهي على التوالي: التضامن العربي العسكري، التضامن العربي الاقتصادي، وأخيراً وليس آخراً التضامن العربي السياسي.
بالنسبة للنوع الأول _العسكري_ فهو التضامن الذي تجسّد في معاهدة الدفاع المشترك التي أشرت إليها سابقاً حيث أنشئت هذه المعاهدة مجلساً للدفاع المشترك يتكوّن من وزراء الخارجية والدفاع للدول الأعضاء ويعاون هذا المجلس لجنة عسكرية دائمة. كما يُمكن اعتبار المادة السادة من ميثاق جامعة الدول العربية تجسيداً لروح هذا التضامن، حيث نصّت على أنّه إذا وقع اعتداء من دولة ما على دولة من أعضاء الجامعة فللدولة المعتدى عليها أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فوراً، ويُقرِّرُ المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء.
أما النوع الثاني _الاقتصادي_ فهو مرتبط بالنوع الأول عبر معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي حيث تعْهدُ المعاهدة للدول الأعضاء بإنشاء مجلس اقتصادي يتكون من الوزراء المختصين في المجال الاقتصادي والمالي، ويختص هذا المجلس بوضع الخطط للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي للدول الأعضاء. ولقد تَمَّ تتويج هذا التعاون الاقتصادي عبر إنشاء السوق العربية المشتركة في 13 غشت 1964 بعد أن وافق مجلس الوحدة الاقتصادية على ذلك، وتُعتبرُ السوق العربية المشتركة من أهم آليات [/u][/u][/u][/u][/u]التضامن والتعاون الاقتصادي، حيث تُمثِّل تكاملاً عربياً من الناحية الاقتصادية، إذ أننا لن نجد قطراً عربياً مؤهلاً بقدراته الذاتية لأن يُشكل اكتفاءً ذاتياً أو حماية تجعله قادراً على حماية مصالحه والصمود في وجه الضغط والعدوان والمنافسة، فضلاً عن المقاومة والتجاوز والمشاركة في الفعل الحضاري والسياسة الدولية والقرار الإنساني والفعل الثقافي البناء.
لكن هاذين النوعين _العسكري والاقتصادي_ لا يُمكنهما القيام أو الاستمرار بدون إرادة سياسية، وهي النوع الثالث _أي التضامن السياسي المشترك_ الذي يتأتى عبر تكتل الأقطار العربية في صف واحد تضامنا مع بعضهم البعض، ويمكن تقسيم هذا النوع إلى شكلين: تضامن سياسي حكومي أو رسمي، وتضامن سياسي شعبي أو غير رسمي، ويتجسّد هذا الأخير في اللجان العربية العديدة للتضامن، بهدف دعم الانتفاضة وكذلك لجان دعم المقاومة العراقية وغيرهما كثير.
لكن يبقى كلّ هذا عبارة عن حبر على ورق، ولا نجده على أرض الواقع الحي، فليست هناك مواكبة للعمل العربي المشترك في كل صيغه المذكورة، وكما تقول المقولة الدستورية "التطبيق أهم من النص والقاضي أهم من القانون" فإن تطبيق هذه المعاهدات وانطلاق عمل هذه المجالس المشترك لم ينطلق ولم يُأخذ به على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، فبدل التضامن العربي المطلوب شعبياً، نجد أن هنالك عداءً وتنافراً عربيين بين الدول الأشقاء، خصوصاً الجيران، وذلك كلّه ناتج عن الحقبة الاستعمارية، حيث دَعَّمَ الاستعمار وساند وساعد بكل ما أتيحت له من وسائل لترسيخ وتوسيع الفجوة القائمة بين الدول العربية حتى وصلت إلى زرع بذور الكراهية والتنافس اللاأخلاقي والعدائي بين الأشقاء، فكرّست حدود التمييز والتفرقة، وخلقت من الشعب العربي شعوباً في شِعاب، وكدّستهم بالديون، وبثقافتها الخليعة والاستهلاكية، وجذّرت فيهم القطرية والتجزئة، بل إنها تحاول الآن تنمية روح قومية قطرية خاصة بكل زاوية في "البيت العربي" قصد زعزعت أساسات هذا البيت بُغْيَتَ إحداث شرخ فيه وتهديمه. وأفضل وسيلة وجدتها الأنظمة المعادية للقومية العربية هي إحياء وبعث لغات بائدة والانقضاض على اللغة العربية وتجزئتها عبر إعطاء أهميّة أكثر للغات المحلية واللهجات الدارجة في الوطن العربي وتدعيمها لتلك اللهجات قصد إنشاء أقطار ذات لغات مختلفة، مثل ما حدث للغة اللاتينية الأم، ناهيك عن تنمية الحميّة والعداء بين الجيران، فها نحن نرى شقيقتنا الجزائر تسعى جاهدة قصد الوقوف في طريق تنمية وتقدم المغرب، ومعارضتها المنحازة بشكل مفضوح لصالح مليشيا البوليساريو ووقوفِها عقبة أمام استكمال المغرب لوحدته الترابية، ليس هذا في الجنوب فقط، بل أيضاً في أقاليمنا الشمالية، فبعد حادثة صخرة "ليلى" أو "تورا" اتّضح للعالم مدى بُغض وكُره النظام الجزائري العسكري للمغرب، فبعد أن وقف العالم بأسره مع المغرب في أزمته، ومن بينهم الدول العربية عبر الجامعة العربية، خرجت الجزائر عن وحدة الصفّ العربي، بل حتى في الزيارة الاستفزازية الأخيرة لملك إسبانيا خوان كارلوس للثغور المحتلة بالشمال المغربي منذ ما يزيد عن خمسة قرون، اتضح للعالم أنياب هذا الذئب الجزائري المتعطّش للارتواء من دم جيرانه، كيفما كانت الوسيلة، وربما يقول قائل إن الجزائر إنما تقوم بهذا قصد إبقاء المغرب منشغلاً بأزماته في كل من الشمال والجنوب وإنسائه أو إلهائه عن الجبهة الشرقية والمناطق الشرقية المغربية التي منحها الاستعمار للجزائر، لكن هذا لن يؤدي بنا إلاّ إلى صبّ الزيت على النار، ونحن في غناً عن ذلك في الوطن العربي، فيكفينا تفرقة، ولنتحد على كلمة سواء، فليس النظام العربي مُلك شخص بعينه أو منطقة بذاتها أو أُناس بذواتهم. إنما النظام العربي هو شبكة من كثيفة من العلاقات والتفاعلات والروابط الحكومية والشعبية، الرسمية وغير الرسمية، والوحدة هي المدخل لتغيير الواقع العربي المتهافت، ففلسطين لازالت مغتصَبة زد على ذلك قضية غزو العراق، وحرب لبنان، والضغوطات الممارسة على سوريا، والتدخلات السافرة في الصومال والأطماع الغربية في السودان والاستفزازات اليائسة التي يتعرض لها المغرب من جيرانه الشماليين والشرقيين وغيرهم من المعادين لمسيرة المغرب التنموية، هذه المسيرة التي يجب أن تُساندنا فيها جميع الدول العربية، فكما ساند المغرب إخوانه من المناضلين الجزائريين في حرب الاستقلال وكما ساند المغرب دول الشام وغيرها في حربهم ضد إسرائيل ولازال، على هذه الدول كذلك أن تقوم برد الجميل. وعليها معرفة أنها لا يمكنها حماية مصالحها ومواطنيها وتحرر قرارها وتحافظ على سيادتها دون تكتلها _أي الأقطار العربية_ في اتحاد متضامن في إطار نُشدان الوحدة بوصفها مصلحة عُليا مُلحة وهدفاً وضرورة قومية قصوى، لأن عالم اليوم لا يسمح للدول الهزيلة بالتواجد والاستمرار على الحلبة الدولية، وعندما أتحدّث عن الأقطار العربية فأنا لا أعني الشعوب، فالشعب العربي كله متضامن ويصبوا إلى الوحدة كغاية حقيقية. لكن تبقى العقبة الكبرى في الحكومات أو بالأحرى الأنظمة العربية، فأنظمتنا العربية مصابة بما يُسمى "عقدة القيادة" وهي مشكلة مزمنة وخطيرة تصيب بالخصوص بلدان العالم الثالث، فأنظمتنا متشبثة بالسلطة وكل واحدة منها تبغي الاستفراد بالقيادة، وربما هذه هي المشكلة التي تواجه المغرب العربي كاتحاد، فالجميع يعلم مدى انسجام وتناغم الشعب المغاربي، لكن قيادات المغرب العربي تواجه عقدة القيادة، ولقد كانت هذه العقدة محصورة في السابق بين المغرب والجزائر، وهي من بين الأسباب التي أدّت بالجزائر إلى اتخاذ موقف معادٍ للمغرب في جميع الميادين، لكن الأزمة الحالية هي تفشي هذا الداء حيث انتقل إلى باقي دول المغرب العربي فها هي ذي ليبيا تُطالب بالقيادة باعتبارها أكثرنا مالاً، وذلك ما تطالب به تونس باعتبارها أكثرنا عولمة _أو تفتُّحاً بالنسبة لهم_ ولرُبّما تَنْظمُّ إليهم موريتانيا باعتبارها أكثرنا ديمقراطية…!
ما يسري على المغرب العربي ينطبق على باقي البلاد العربية، فكم هي عديدة الخلافات العربية-العربية، لكن إلى متى…!؟ أين هو التضامن العربي!؟، وأين هي الجامعة العربية من كل هذا !؟، ألم يكن حرياً بجامعة الدول العربية عند قيام العاهل الاسباني بالزيارة الخطيرة إلى سبتة ومليلية أن تقف مع المغرب في وجه اسبانيا وقفة رجل واحد؟ أليس هذا هو التضامن العربي؟، ألم يكن جديراً بالدول العربية استعمال بعضٍ من نفوذها الاقتصادي خصوصاً على اسبانيا والاتحاد الأوربي لصالح المغرب، أوليس المغرب دولة عربية متساوية السيادة العروبة مع باقي دول المشرق، أم أن الجامعة العربية تختص فقط بالتنديد المتأخر، ألم يكن واجبا عليها تكوين لوبي عربي دولي لدعم القضايا العربية، وليس مقترح الرئيسين الفينزويلي والإيراني ببعيدين عن هذا³، ولم يأت هذا الاقتراح عن فراغ، فعالم اليوم يشهد تكتلات عملاقة، وخصوصا بين الدول الرأسمالية الكبرى، في حين أن الدول الضعيفة نسبيا لازالت تعاني من التجزئة والقطرية، إذ شتان بين الإتحاد الأوربي و"الإتحاد العربي"، فعندما تُمَسُّ دولة واحدة من دول الاتحاد الأوربي نجد الإتحاد كله يهبُّ لنجدتها ولو كان السبب بسيطاً رغم الاختلافات المتعددة بين دول الاتحاد وتاريخ الحروب الطِوال بينهم، بينما في وطننا العربي تتحرّك الجامعة العربية حسب أولويات، وبالطبع ليس المغرب أحدها.